الرئيسية » » هـواء المقهى | سامي طه

هـواء المقهى | سامي طه

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 3 أبريل 2015 | 8:25 م

هـواء المقهى





هواء تسلل نحونا من اسفل المائدة ..
هواء لطيف يتســرب ..
هواء قديم يجمعنـــــا ..
يقول صديقـــــــــي ..
هواء تعبق منه رائحـــة الإرث ..






تعبق رائحة المقاهي القديمــــــة ..

فيه صورُ فرسانٍ
 يتمنطقون بحمائل واغماد ..
يحملون أسلحة وبنادق ..
يحملون سيوفـــــاً ..
يمتطون خيولاً تثير الغبار عريضاً ..
يتنادون بأصوات مبهمــــة ورموز ..
في نهايات رحلة مجدبـــــــــة .
يحدثني عن هواء قديــــــــــــم ..






هواء يتسرب عبر النوافذ محملاً بالغبار ..
 يركد في زوايا البيت ..



هواء يحمل ثقل التاريخ ..
الذي يتمثل بعربة تغطس في ماء راكد ..
في وحل ..
لان التاريخ يتمثل .. بعربة بلا حصان ..
يتمثل بعربة قديمة .. عجلاتها نحتت من الصخر ..






ونحن نطلب من الهواء ان يدفعها ..
ان يدفع العربة التي لا اشرعة لها ،
هواء ..
 يحمل رائحة الطفولة ..
متمثلةً بثياب .. في ثناياها مسحوق معطر
 تختلط رائحته بحموضة الحليب ..











يتحدث عن هواء اليف ..
يقصد .. لا يحمل في يده حربة..
ولا يحمل في يده خنجراً ..
 يتحدث عن هواء مسالم ..
هواء يعود مساءً الى البيت ..
يحمل في يديه خمراً وزيتاً ولبناً رائباً ..
يحمل نهاية فاجعة ..
أملاً يضمحلُّ ..
يحمل أميراً ميتاً ..






ووردةً ذابلة تسقط على الارض ..
يحمل أكياس الخضار والفاكهة ..




الخضار الرديئة ..
في أكياس تتمزق حين يدخلها الهواء ..
يحمل خطوته التي تتعثر.. حين يصعد السلم ..
تتعثر.. حين يحاول قراءة الابجدية ..







حين يتهجأ العالم ..
العالم المدثر بالتواريخ ..
العالم الذي تثقله النصب ..
نصبٌ تمد ايديها الى الناس ..
لتتسول .. الرضا ..
او لتفرض أرادتها ..
نصب يثقلها الجهل ..
تفتقر الى الحكمة ..
او نصبٌ تفتقر الى الروح … ترفع ايديَها




 في الهواء
 لتمنع شراً يتساقط ..
او لتحدد اتجاه شر ينطلق ..

او تضع يدها في اتجاه الشمس ..
لتقي اعين الحجر من الوهج ،


يتحدث عن هواء
تموهه الاساطير ..








كان المطر يسقط .. حزناً
 على التراب ..
حين راح يبحث عن أسرار الأمطار المتلاحقة ..
المآتم .. النساء اللواتي يتلفعن بالنشيج الاسود ..
الاحزان المتكدسة التي ينشرها انفجار كتلة الحديد ..
" وكنت يومها ابن ثمانية" ..

عندئذ اطلع .. على اسرار غربته المرعبة ..

"وقفت اتفحص ارثي .. في صندوق يحتفظ بالعفن " ..







ثم اصبح الرعب والدخان يملآن كل ذكرى لاحقة ..

كان عليه ان يحرق الكثير من الذكريات غير الملائمة ..
ثم يتوقف عن البوح بعد ..


يقول "لعلي غداً ..
وغداً ..
وغداً .."







وكل غدٍ آتٍ يقترب منا ..
يحملق بعيني الفواجع ..
يثقلنا برائحة نخيل تحترق ،
 وينثر علينا سخامه الاسود
يتراكم ..
يثقلنا بالرهان الذي يتشظى ..
بكيس البقالة الذي يتمزق ..
يتركنا نتعثر في أول درجة من السلم ..
في أول خطوة لنا ..







من طريق امياله الالف ..

نتعثر بالرمال التي تملأ البيت ..

نتعثر بالعظام المدفونة بالرمال ..

(بالهياكل) المدفونة في الصحارى ..
بفكِّ حصان ..
من بقايا جياد ..





بقايا الحصاد ..
 الذي جف قبل الاوان ..
والذي سيتعفن بعد حين ..
او يستحيل تراثاً مختنقاً ..
وعذاباً ..
وتاريخاً يترنح ..
ليس من السكر .. بل لسبب اخر ..


وكل غدٍ آتٍ يجيء ..
بعد مساء الفجيعة ..






مثقلاً ..
منتفخاً بالمجادلات والتمويه ..
والتزلف ..
متخماً بالتنفج المتبادل ..
بعد ان يأتي على بقايا طعام الصحون ..
وهو يتنشق رائحة الثملين يقيئون ما ازدردوه من البقول ..


غدٍ يتحدث عن روعة السراب ..
"سنحصل على مكافأة سخيةٍ " .. يقول ،






سوف نُـنْـتَـشَـلُ من وهدتنا .. يزعم ..
يترك الفاظه تتمطى .. على صفحة الريح ..
او صهوة الهواء ،
الذي يتسرب اسفل المائدة ..

يترك الفاظه تتشظى ..
تتفتت .. غباراً يحط على الفوانيس ..
في خفة الزغب المتناثر على الموائد ..
على المقاعد والاغطية ..
اغطيةٍ مثقلة بالاقداح ..






تمتلئ وتنضب .. وتتصبب عرقاً ..
وتثيرها لمسات الاصابع ..
تثيرها النسمات ..
تتجشأ .. كلما تجرع من الكأس ،
وهو يميل على جهة الفصاحة ..
وهو يفتتح القوس ..
وهو يزم شفته ..
كي يلم الشتات من وجهه المنحرف ..








يترك الفاظه في الاعالي معلقة ..

"سوف نُـنـتَـشلُ من الهوة" يقول ..

وهازئاً قرينُهُ يفكر ..
" بماذا سيرزقني ..
بشويكة الهندباء ولحاء الشجر ؟ ..
ام بعشب الخنادق وجذور النخلة ؟ ..
ام بامعاء تستطع هضم هذا الجفاف ..
بمعدة تتقبله ..






بلثة تصمد لها ..
باسنان تُقطِّعُها ..
..

كان يجري خلف زوبعة ..
خلف زوبعة مظلمة ..

يحاول ان يهدأ في اعقاب الخذلان المظلم ..
المظلم والشمولي ..
ثم يتمطى ..






والفاظه تتمطى ..
تنحدر على السفح باتجاه هواء كامد بلون الرصاص ..
هواء يهب على وديان مقفرة ..
يثير غبار الصحراء الساخنة ..
هواءٍ يرفع مديته في وجه احلام غافية ..
ويمسد على شعرها ... الملبد بالدماء .



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.