مشرّد مُحتار
فجرٌ يقتل
تنطلق أصوات المآزن لتصدع السماء
مدينة نائمة في حضن الظلام
وأنا أطلّ عليها من نافذتي العالية
برودة الهواء.. الغيوم تسابق الألم
كلّ شيء حاضر.. أنا والحب
الشوق والوجع
وحتى الأمل واقف أمامي في الهواء
وعندما تذكرت عدم وجودك
أقفلت نافذة الحياة على تلك المنازل
وحشرتُ نفسي بين أحشاء صورك
لأبكي بصمت
فلم ينفعني البكاء
أريد إخراج ذاك الشيء
إنه الاشتياق
ملأت الصفحات بالحبر
أريد كتابته
أريد إخراج الشوق من رؤوس أصابعي
أريد أن يتجسّد أمامي
لأضع في رأس رصاصة
قبل أن يقتلني
ولكن بلا أي فائدة
أدّخن..
أسحب الدخان إلى داخلي
أخرجه بعنف
لأنفخ أشلاء من الحنين إلى الهواء
*** *** ***
ابن عمي مات في الحرب
أبي ما زال مصرّاً على السفر
أنا فاشلُ مشرّد
بعيد عن وطني مسافة ألف وسبعمئة معركة
أتذكر الآن كلّ شيء
وكلّ أحزاني
ولا أبكي سوى على غيابك
*** *** ***
الذاكرة حقائب لا تنتهي
الحب عطر ملأ جيوبنا الأنفية والجسدية
الشوق شيطان بوجهين
الألم هو عدم لقائك ثانية
الأمل كهذا الصباح ضوء من خلف الغيوم
برودة مثالية
عصفور يغرّد لشريكه
الحنين هو صوت فيروز
الحزن شيء مرٌّ كالقهوة التي أحتسيها
الغضب كدخان السيجارة
لا تستطيع الإمساك به
أما هو فيخنق بسهولة
الملل لا أشعر به الآن
الفرح سأحس به يوم لقائك
أترين كتبت لكي كل شيء؟!
ولا أعرف كيف أكتب حيرتي!!
*** *** ***
بشعٌ أنا
أبي الذي يحبني
اللعنة للساعة التي ولدت فيها
عندما يشاهد ابتسامتي البشعة
أمي
أراها تبكي بصمت كلّ يوم
أعرف أنه ليس من أجل أولاد أخيها الأيتام
بل تبكي على بشاعتي
أسودٌ
عندما ألقي بنظري إلى السماء ليلاً
كلّ ظلمة الليل تخاف من سواد وجهي
وترتمي بحضنك خوفاً
*** *** ***
أعرف مَنْ أنا
أنا هو الشخص الذي يحبك
الذي ينتظرك ويعرف
أنه ينتظر العدم
أنا.. أنا الذي يشتاق إلى بيته
أنا الذي يتذكر كيف كان رأسه يلوّح
في تلك الحافلة التي كانت تقله إلى بيته في الشمال
أعرف أني فاشل
لا أتذكر كم غرفة بنيت على سقف آمالك!
وكم مستقبل بنيته في أحلامك!
ولكني الآن أتذكر وأعرف شيئاً واحداً
أنك غائبة.. وأنا وحيد .