على بعدِ اصبَعَتينِ وأدنى من القدس
سليمان دغش
كفراشةٍ تَعِبَتْ منَ الضوءِ البعيدِ وأتعَبتني
كانَ قلبي يَرصُدُ النّجماتِ في الرؤيا
على بوّابةِ التأويلِ بينَ غمامتينِ
على جناحِ الرّيحِ
لا بَرقٌ يُبشِّرُنا بما تُخفي مرايا الليلِ في الأبراجِ
كانَ الليلُ أسودَ
والحياةُ تئنُّ منْ عَطَشِ الحياةِ إلى الحياةِ
فلا حياةَ هُنا لمنْ تَركوا الحياةَ
على مرايا الحُلْمِ والذكرى
وقالوا :عائدونَ فعادت الذكرى وما عادوا
وظلّ الحُلْم منفياً كنجمٍ خارجٍ
عنْ عِلَّةِ التّنجيمِ
لا أحدٌ يراهُ ولا تُفسّرُهُ الرؤى
لا زرّ يلمَعُ في قميصِ الليلِ
جاءَ الليلُ في وَضَحِ الخطيئةِ كالغرابِ
وكنتُ وحدي كالفراشةِ تقتفي أثَرَ الحديقةِ
خلفَ خيطِ الضوءِ يرسمُ كرنفالَ الشمسِ
فوقَ ذرى الجليلِ
رأيتُ نفسي ملءَ نرجسها
اتكأتُ على ضفائر شهرزادَ لعلَّ تكتَملُ الحكايةُ
مثلما تهوى الأميرةُ
كانَ ظلُّ السّندبادِ منارةً للرّوحِ،
بوصلةَ الفؤادِ إلى البلادِ
وكنتُ وحدي
حارساً شُبّاكَ هذا البحر
أومئُ للنوارسِ أن تعودَ
ولا حدودَ لرؤيتي
وقصيدتي زرقاءُ مثل سماءِ عينيها
على شُرُفاتِ روحي
منْ ترى رسَمَ الحدودَ على خريطتنا
وسلَّمَ للخرافةِ شهوةَ الجغرافِيا
الأرضُ واسعةُ بما يكفي سلالةَ آدم البشريِّ
لكنَّ الخرافةَ تشتهي جَسدي المُقدَّسَ
يا إلهي
كم يُعذّبنا المُقدَّسُ حينَ نستهوي الخطيئةَ
كمْ تُعَذّبنا الخطيئةُ حينَ يسكُننا المقدّسُ
يا الهي حالةُ الما بين بين رهينةٌ بالشَّكِ
إنَّ الشَّكَ مبتدأُ الحقيقةِ
واكتمالُ الرّمزِ في المعنى المقدّسِ
ها أنا وحدي هُنا
بيني وبينَ القُدسِ إصبَعَتانِ أو أدنى قليلاً
في يدي مفتاحُ عاصمةِ السّماءِ
ترى هل انتبهَ المسيحُ إلى الوشايةِ يا يهودا
فاستحالَ عشاءهُ السّريُّ قدّاسَ الصليبِ
إلى القيامةِ
كمْ صليباً ظلَّ بعدَكَ يا يسوعُ الناصريّ هنا
لأحملهُ على كتِفَيَّ وعداً بالخلاصِ
رأيتُ نفسي ملءَ نرجسها وهاجسها
اتكأتُ على بشارةِ مريم العذراءِ ،
ويحَكَ يا يَسوعُ ألمْ تُخَلِّصني؟!
بلا، لكنّهم عادوا إليكَ ليصلبوني منْ جديدْ
( من ديواني الأخير " سفــــر النرجـــس " )